هذه الرواية خاصة جدا ولن يفهم ويقدر مدى روعتها وجمالها سوى من يهيمون عشقا بالكتب، يفرحون لفرح أبطالها ويحزنون لحزنهم ودوا لو أنهم سافروا عبر الزمن وكسروا حواجز المستحيل ورافقوا أبطالها، ربما ليحذروهم من الخطر المحدق بهم، ربما ليشدوا على إيديهم..
عندما تشتد الفتن وتتزين الرزائل وتتأجج نار الشهوة في النفس، عندها وفقط تظهر النفس على حقيقتها، هل تستطيع كبح جماح شهواتها وتستعصم أم تنقاد وراء الهوى والرزيلة، رأينا ذلك بوضوح وربما هذا هو الجزء الذي نال إعجابي أكثر من غيره، في عفة أنس وطهارته حينما دعته نفسه للخطيئة، رأينا كيف جاهدها وتكبد الألم في سبيل إخمادها، ولأنه كان صادقا في ذلك رأينا كيف نجاه الله من هذه الأزمة بسلام وبمعاونة رفيقه وحبيبته، نعم نحتاج لشخصية مثل أنس وصحبة مثل كومبو وحبيبة مثل مرام ..
كلنا كلودة ذاك الذي تسيطر عليه نفسه اللوامة، يقع في الخطأ ثم يندم ويتوب ثم يرجع مرة أخرى ثم يتوب مرة أخرى ..
شهدنا الحب الطاهر العفيف بين أنس ومرام، ذاك العشق المقدس عشق الروح وليس الجسد، الحب الذي لا معصية فيه ولا خطيئة..
شهدنا أيضا تلك العجوز الجميلة ناردين، وقصتها مع الغابة والأشجار التي تحن إليها وتحميها بأغصانها، يحدث لنا أحيانا أمورا مشابهة لذلك، عندما يخذلنا البشر نلجأ إلى الحيوان والجناد ونخلق منهم شخصيات ونتحدث إليها ونثق بها، كنا نفعل هذا في طفولتنا نكلم الجدران والأبواب ونحكي لهم عن أسرارنا ونرى في ذلك مواساة لنا ..
اقرأ أيضا:
"قصة موت معلن" جريمة قتل اشترك فيها الجميع
إيكادولي، تعني أحبك بلغة أهل النوبة، تحكي عن أنس الذي تعلق قلبه بالكتب والقراءة وهام بها عشقا، فاصطحبته الكتب إلى رحلة قصيرة استكشف فيها عوالم غير التي يألفها، والتقى بأبطال الرواية وعاش بينهم ومعهم وشاركهم حزنهم وفرحهم، ومرام تلك التي استحوذت على قلبه.. والبقية اتركها لك لتكملها أنت ..
اللغة والأسلوب
على غير عادة أكثر الروايات الخيالية والتي يهتم فيها الكاتب بالفكرة والانشغال بالحبكة دون الإهتمام باللغة والسرد، جاءت إيكادولي في لغة قوية تنم عن فصاحة لسان الكاتبة وقدرتها البلاغية، سهلة في سردها، دقيقة في وصفها للأماكن والشخصيات، سلسة في معانيها ومفرداتها لا يتخللها أي كلمات مبهمة أو غريبة، ستجد نفسك تقرأ بهدوء واستمتاع دون توقف ودون صعوبة ..
الشخصيات
وصف الشخصيات كان واقعيا وممتعا ليس فيه تعقيد أو تكلف، أحسست في وصفها كما لو أن هذه الشخصيات ماثلة أمامي أراها رأي العين ..
الحوار
نقطة قوية جدا تحسب أيضا للكاتبة، لكم راقت لي تلك الحوارات التي كانت تدور بين أبطالها لا سيما الحوار الشيق الذي دار بين أنس وكلودة ليمنعه من الانسياق وراء شهوته، وثمة حوار آخر ممتع في نهاية الرواية بين أنس وشهاب، وبالطبع حوارات العجوز ناردين ..
الحبكة
لم تشهد الرواية أحداثا كثيرة فجاءت الحبكة جيدة نوعا ما تفي بالغرض، وإن كنت أرى أن الحبكة هنا وفي هذه الرواية تحديدا لن يكون لها تأثير كبير لما تميزت به الرواية من توافر العناصر السابقة المتمثلة في قوة اللغة وبراعة السرد ووصف الشخصيات وبلاغة الحوار ..
التقييم
رواية ممتازة جدا لكاتبة صاحبة قلم بليغ وخيال لا ينضب ونزعة دينية مهيبة تزيدها جمالا واحتراما
تعليقات: 0
إرسال تعليق